فصل: (المجادلة: آية 7)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقال بعضهم بالوجوب، مستدلا بأنّ الآية فيها أمر بتقديم الصدقة عند النجوى، والأمر للوجوب، ثم قال اللّه في آخر الآية: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ومثل هذا لا يقال إلا في الواجبات التي لا تترك.
وقال بعضهم: إن الأمر هنا للندب والاستحباب، وذلك أنّ اللّه قال في الآية:
{ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} ومثل هذا قرينة تصرف الأمر عن ظاهره، وهو إنما يستعمل في التطوع دون الفرض.
وأيضا قال اللّه تعالى في الآية التي بعد هذه مباشرة: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ} وهذا يزيل ما في الأمر الأوّل من احتمال الوجوب، انظر إلى قوله: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}.
وقد أجاب القائلون بالوجوب: بأنه كما يوصف التطوع بأنّه خير وأطهر، كذلك يوصف الفرض، بل هو أولى.
وأما آية {أَأَشْفَقْتُمْ} فهي ناسخة للوجوب الذي ثبت بالأمر، ولا يلزم من اتصال الآيتين في التلاوة اتصالهما في النزول.
وهؤلاء القائلون بالوجوب وبالنسخ اختلفوا في مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ، فقال بعضهم: ما بقي المنسوخ إلّا ساعة من نهار، وينسب ما روي عن تأخّر كبار الصحابة عن تقديم الصدقة إلى ضيق الوقت، وروي أنه بقي الأمر عشرة أيام ثم نسخ.
وقد روى عن علي بن أبي طالب أنه أول من عمل بهذا الأمر، وآخر من عمل به، وأنه كان عنده دينار فصرفه إلى عشرة دراهم، فكلما ناجى الرسول صلى الله عليه وسلم قدّم درهما.
ويرى أبو مسلم الأصفهاني عدم وقوع النسخ، ويقول في هذه الآية: إنّه كان يوجد بين المؤمنين جماعة من المنافقين، كانوا يمتنعون من بذل الصدقات، وإنّ فريقا منهم عدل عن نفاقه، وصار مؤمنا ظاهرا وباطنا إيمانا حقيقيا. فأراد اللّه تعالى أن يميزهم عن المنافقين الذين لا يزالون على نفاقهم، فأمر بتقديم الصدقة، ليتميز هؤلاء من هؤلاء، وإذا كان هذا التكليف لهذه المصلحة المقدرة لذلك الوقت، لا جرم يقدر التكليف بذلك الوقت.
قال الفخر الرازي: وحاصل قول أبي مسلم أنّ ذلك التكليف كان مقدرا بغاية مخصوصة، فوجب انتهاؤه عند الانتهاء إلى الغاية المخصوصة، فلا يكون هذا نسخا.
ثم قال: وهذا كلام حسن لا بأس به، والمشهور عند الجمهور أنه منسوخ بقوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ} ومنهم من قال: إنه منسوخ بوجوب الزكاة.
ونحن نرى مع الفخر الرازي أنّ كلام أبي مسلم كلام حسن، لكنّا نبحث عن أولئك الذين حسن إيمانهم، الذين أريد تمييزهم من المنافقين، فلا نجد أنّ أحدا تصدّق.
بل لقد روي أنّه لم يعمل بهذه الآية إلا الإمام علي بن أبي طالب، ولقد عجب الناس كيف لم يعمل كبار الصحابة بهذا التكليف، وصاروا يعتذرون عنه بأنه لم يبق إلا ساعة من نهار، ومنهم من قال: إنّه استمر عشرة أيام، ومنهم من قال: نسخ قبل أن يعمل به أحد.
ويعجبنا قول الفخر في الدفاع عن عدم عمل الصحابة: أنه على تقدير أن أفاضل الصحابة وجدوا الوقت ولم يفعلوا فهذا لا يجر إليهم طعنا، وذلك أن الإقدام على هذا العمل مما يضيق به قلب الفقير، ويوحش قلب الغني، لأنه إن لم يفعل جرّ ذلك إلى الطعن فيه، فهذا العمل لما كان سببا لحزن الفقير، ووحشة الغني، لم يكن في تركه كبير مضرة، بل لقد بينا أنهم إنما كلّفوا بهذه الصدقة ليتركوا هذه المناجاة. ولما كان الأولى بهذه المناجاة أن تكون متروكة، لم يكن تركها سببا للطعن.
والذي أعجبنا من كلام الفخر هو الجزء الأخير منه، وأما ما قبله فهو قابل للمناقشة، وما نرى في عدم فعل الصحابة طعنا ولا شينا، بل إنّهم فهموا أنّ شرعية هذا الحكم قصد منها الحد من المناجاة الكثيرة، فيضيع وقت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن قلنا: إن المناجاة لا يمكن منعها، فمنها الضروري، ومنها ما يكون فيه مصلحة عامة للمسلمين.
وأما الصدقة فلم تطلب لأنّها صدقة، فالصدقات مطلوبة، ومرغب فيها من غير توقف على المناجاة، ولو أنّ الصحابة فهموا أن المقصود التوسل بالمناجاة لتكون بابا من أبواب الصدقة ما تأخروا، فمنهم من نزل عن جميع ماله، ومنهم من كان يريد أن يتصدّق بالثلثين، لأنه لا يرثه إلا ابنة واحدة. وما دام المقصود القصد من المناجاة التي تشغل الرسول صلى الله عليه وسلم فليحرصوا على القصد، على أنّهم وجدوا في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}فسحة. فمن ذا الذي كانت دراهمه ودنانيره حاضرة معه في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يتصدق بها، أو يقال: إنه لم يمتثل الأمر؟
ونظنّ أنّا بما قدمنا نجدك في غنى عن تفسير الآية الأولى، وأما قوله: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13)} فمعناه أخفتم تقديم الصدقات لما فيها من إنفاق المال، فإذ لم تفعلوا ما أمرتم به، وتاب عليكم، ورخّص لكم في الترك، فأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، ولا تفرّطوا فيها وفي سائر الطاعات.
وليس يشتمّ من هذه الآية أنه وقع منهم تقصير، فإنّ التقصير إنما يكون إذا ثبت أنه كانت مناجاة لم تصحبها الصدقة، والآية قالت: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا} أي ما أمرتم به من التصدق، وقد يكون عدم الفعل لأنهم لم يناجوا، فلا يكون عدم الفعل تقصيرا.
وأما التعبير بالإشفاق من جانبهم فلا يدل على تقصيرهم، فقد يكون اللّه علم أنّ كثيرا منهم استكثر التصدق عند كل مناجاة في المستقبل لو دام الوجوب، فقال اللّه لهم: {أَأَشْفَقْتُمْ}.
وكذلك ليس في قوله: {وَتابَ اللَّهُ} ما يدل على أنهم قصّروا، فإنّه يحمل على أنّ المعنى أنه تاب عليهم برفع التكليف عنهم تخفيفا، ومثل هذا يجوز أن يعبّر عنه بالتوبة، ولذلك عقب عليه بما يكون شكرا على هذا التخفيف فقال: {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}
يعني أنّه إذا تاب عليكم، وكفاكم هذا التكليف، فاشكروه بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومداومة الطاعة، لأنه المحيط بأعمالكم ونياتكم. اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة المجادلة:
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{كُبِتُوا} (5) أهلكوا {كَما كُبِتَ} (5) كما أهلك..
{تَفَسَّحُوا} (11) توسّعوا..
{وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا} (11) قوموا..
{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ} (19) غلب عليهم وحازهم..
{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} (21) أي قضى اللّه..
{مَنْ حَادَّ اللَّهَ} (22) ومن شاقّ اللّه واحد..
{أَيَّدَهُمْ} (22) قوّاهم. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها المجادلة:

.[المجادلة: آية 7]

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)}
قوله سبحانه: {ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا [7]} وظاهر هذا الكلام محمول على المجاز والاتساع، لأن المراد به إحاطته تعالى بعلم نجوى المتناجين، ومعاريض المتخافتين، فكأنه سبحانه يعلم جميع ذلك، سامع للحوار، وشاهد للسّرار.
ولو حمل هذا الكلام على ظاهره لتناقض. ألا ترى أنه تعالى لو كان رابعا لثلاثة في مكان على معنى قول المخالفين، استحال أن يكون سادسا لخمسة في غير ذلك المكان إلا بعد أن يفارق المكان الأول، ويصير إلى المكان الثاني، فينتقل كما تنتقل الأجسام، ويجوز عليه الزوال والمقام. وهذا واضح بحمد اللّه وتوفيقه.

.[المجادلة: آية 12]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)}
وقوله سبحانه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [12]} وهذه استعارة. وقد مضت لها نظائر كثيرة.
والمراد بقوله تعالى: {بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ} أي أمام نجواكم، وذلك كقوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أي مطرقة أمام الغيث الوارد، ومبشّرة بالخير الوافد.

.[المجادلة: آية 16]

{اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (16)}
وقوله سبحانه: {اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [16] وهذه استعارة. والكلام وارد في شأن المنافقين.
والمراد أنهم جعلوا إظهار الإيمان الذين يبطنون ضدّه جنّة يعتصمون بها ويستلئمون فيها، تعوّذا بظاهر الإسلام الذي يسع من دخل فيه، ويعيذ من تعوّد به.

.[المجادلة: الآيات 21- 22]

{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)}
وقوله سبحانه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [21]} وهذه استعارة. والمراد بالكتابة هاهنا الحكم والقضاء. وإنما كنى تعالى عن ذلك بالكتابة، مبالغة في وصف ذلك الحكم بالثبات، وأنّ بقاءه كبقاء المكتوبات.
وقوله سبحانه: {أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [22]} وفي هذا الكلام استعارتان، إحداهما قوله تعالى: {أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ} ومعناه أنه ثبّته في قلوبهم، وقرّره في ضمائرهم، فصار كالكتابة الباقية، والرّقوم الثابتة، على ما أشرنا إليه من الكلام على الاستعارة المتقدمة. وذلك كقول القائل: هو أبقى من النقش في الحجر، ومن النقش في الزّبر.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} ولذلك وجهان: إمّا أن يكون المراد بالروح هاهنا القرآن، لأنه حياة في الأديان، كما أنّ الروح حياة في أمر الأبدان. وقال سبحانه: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنا} والمراد القرآن.
والوجه الآخر أن يكون الروح هاهنا معنى النّصر والغلبة والإظهار للدولة. وقد يعبّر عن ذلك بالريح. والرّوح والريح يرجعان إلى معنى واحد. وقال سبحانه: {وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أي دولتكم واستظهاركم. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة المجادلة:
سورة المجادلة أولى سور الجزء الثامن والعشرين في المصحف الشريف.
وهى سور مدنية كلها. والمجتمع المدنى كان صنوفا شتى من الناس.
هناك المؤمنون الذين يصنعهم الوحي ليقودوا قافلة الإيمان في المشارق والمغارب.